بريتن بريتنباخ.. الشاعر الذي أبدع في مناهضة الفصل العنصري
بريتن بريتنباخ.. الشاعر الذي أبدع في مناهضة الفصل العنصري
في باريس، المنفى الذي اختاره بعيدًا عن وطنه الأصلي، توفي الكاتب الجنوب إفريقي والناشط المناهض للفصل العنصري بريتن بريتنباخ، عن عمر ناهز 85 عامًا، لتنتهي رحلة فريدة لأحد أشهر شعراء القرن العشرين بجنوب إفريقيا، والصوت الحر، صاحب القيم الإنسانية الرفيعة، والمنادي بالمساواة والعدل، ليكونا منطلقًا نحو مجتمع يحترم الإنسان مهما كان لونه أو دينه أو جنسه.
قصة بريتنباخ مع تشابك تفاصيلها والثمن الباهظ فيها ليست تقليدية على الإطلاق، فمن المعسكر الذي مارس الفصل العنصري بنموذجه الأسوأ تاريخيًا إلى معسكر المقهورين ذهب الرجل، وربما لم يعبر أحد عن حياة الرجل بوصف أروع من الشاعر اللبناني إسكندر حبش، الذي كتب عنه في 2005: "لسنا أمام أي كاتب.. فهذا الإفريقي الجنوبي، عرف كيف يصوغ من أدبه ساحة للحرية، في زمن التمييز العنصري الذي عرفته بلاده".
كافح الشاعر والكاتب والرسام ضد نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، ودفع من سنوات عمره البعض في سجون الحكومة العنصرية، وما إن انتهت محنة بلاده حتى ولى وجهه إلى فلسطين، التي زارها بدعوة الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، الذي ترجم هو بنفسه شعره إلى اللغة الأفريكانية.
ففي عام 2002، كتب رسالة مفتوحة في صحيفة الغارديان إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، أرييل شارون: "لماذا ينبغي لنا أن نغض الطرف عندما ترتكب إسرائيل الجرائم؟ لا يمكن بناء دولة قابلة للحياة على أساس طرد شعب آخر له الحق نفسه في هذه الأرض مثلكم".
وفي سنوات عمره الـ85 نشر بريتنباخ أكثر من 50 كتابًا خلال حياته، وتمت ترجمة بعض الكتب إلى لغات متعددة.
ولد بريتنباخ في كيب الغربية بجنوب إفريقيا في 16 سبتمبر 1939 لعائلة مكونة من 5 أفراد، واستمر في مراحل التعليم المختلفة حتى درس الفنون الجميلة، وكان له نشاط واسع ضد الحزب الوطني الحاكم وسياساته العنصرية في أوائل الستينيات، ففي عام 1961 شارك في الاحتجاجات ضد استبعاد الشباب السود من المسارات التعليمية.
وغادر جنوب إفريقيا وعاش في أوروبا ولندن لبعض الوقت، وفي باريس تزوج من امرأة فرنسية من أصل فيتنامي، ونتيجة لذلك لم يُسمح له بالعودة لجنوب إفريقيا، حيث كانت هناك قوانين تمنع الزواج من الخارج.
وعلى الرغم من ذلك، وفي عام 1975، تمكن من السفر بجواز سفر مزور بقصد مساعدة الأفارقة السود في تنظيم النقابات العمالية، وألقي القبض عليه بتهمة محاولته مساعدة جماعات المعارضة في البلاد، وحُكم عليه بالسجن لمدة 9 سنوات بتهمة الخيانة العظمى.
وأثناء وجوده في السجن، كتب كتاب "موروار: ملاحظات مرآة لرواية"، وأعاد النظر في تجاربه في السجن في كتاب "الاعترافات الحقيقية"، وواصل كتابة الشعر أثناء وجوده في السجن، الذي انتهى بمساعدة الرئيس الفرنسي آنذاك فرانسوا ميتران في تأمين إطلاق سراحه في عام 1982 وأصبح مواطنًا فرنسيًا.
بعد سقوط نظام الفصل العنصري زار "جنوب إفريقيا الجديدة"، واستمر في السفر إلى هناك بانتظام، ولكنه أصبح من أشد منتقدي حكومة التحرير بقيادة نيلسون مانديلا، معتقدًا أن المؤتمر الوطني الإفريقي تحول إلى "منظمة فاسدة".
أصبح "بريتنباخ" أستاذًا زائرًا في جامعة كيب تاون في كلية الدراسات العليا للعلوم الإنسانية في يناير 2000، وظل صوتًا ونموذجًا للحرية في بلاده والعالم حتى وفاته.
ونعته الرئاسة الفرنسية قائلة: "بريتن بريتنباخ بمثابة سفينة الحرية، التي عبرت المحيطات وحطمت حواجز الهوية والانقسام.. وظل ملتزمًا بكشف أوجه عدم المساواة في عالم غير عادل، وحثنا على تخيّل إفريقيا".
وفي بلاده، قال عنه رئيسه: "عالم إنساني اجتاز هجومه الأدبي والمستمر على الفصل العنصري ومنفذيه ومؤيديه، المكتبات، وأرفف الكتب المحلية، وقاعات المحاضرات، والمعارض الفنية، والمسارح حول العالم".